خلال القرون الثلاثة المنصرمة عرفت أمراضاً
كثيرة، انتشرت في مناطق شرق سورية، في فترة لم يكن هناك من مستشفيات أو مصحات،
وكان الطب ما يزال متأخراً، والسكان يلجؤون إلى استعمال أدوية محلية معروفة
توارثوا معرفتها عن الآباء والأجداد، أغلبها مستخرجاً من النباتات البرية
وداوها بالتي كانت هي الداء
الأمراض القديمة وطرق علاجها
أبو صفار
سببه
المباشر كما كانوا يعتقدون هو الخوف الشديد على حين غرة، ويطلق عليها أهل المنطقة
مفردة "الكحصة"، إذ يرتعب الإنسان فجأة نتيجة رؤية شيء مخيف، والبعض
يقول إن السباحة في برك الماء التي تتكون بعد نزول المطر في أواخر الربيع، ربما
تكون هي سبب الإصابة بهذا المرض، وكان أهل الريف، وأهل البادية يداوونه بنفس الطريقة، فيقومون بمباغتة المريض بشيء
يخشاه، علَّه يشفى
الرمـد
الذي كان يكثر في
المناطق المغبرة، كما أنّ الحرارة الشديدة في الصيف تساعد على انتشار هذا المرض،
وكانت
الأدوية التي يستعملها المداوون، لا تتجاوز
بعضاً من أنواع القطرات التي يستخرجونها من الحيوانات الزاحفة، وبعض الضمادات من
ورق الشجر، وبعض الناس كانوا يذهبون إلى شيخ القرية ليكتب لهم تميمة، أو رقية
الجدري
وهو مرض قديم عانت منه
البشرية معاناة كبيرة، وكانت وجوه الناس الذين أصابهم هذا المرض محفورة ومشوهة،
وكان أحياناً يطمس عيون المصابين به، ويقضي على المئات منهم بالموت، وقبل وجود
لقاح الجدري، كان أهل البادية والجزيرة يداوون مرضى
الجدري بوسائل بسيطة من قبل مداوين شعبيين، مثل الماء المغلي الذي يوضع في موضع لا
يدخل إليه الهواء، دون أن يعيروا أي اهتمام للعدوى التي من المكن أن تصيب من يتصل بالمريض
نذكر
أن أشهر من أصيب بمرض الجدري في البادية السورية، هو الشاعر الشعبي الشهير
"عبد الله الفاضل"، الذي ما زالت قصيدته الشهيرة دارجةً على عندما قال
«هلي عزَّ النزيل وعزّ من قال ثقال الروز ما هم حجر منقال»
الرجفة
وأعراضه رجفة قوية يصحبها برد شديد يرتعش له جسم
الإنسان ارتعاشاً شديداً، حيث تصطك أسنان المريض بقوة، بحيث لا يستطيع الحراك أو
الكلام، وفي هذه الحالة يقوم أهله بتدفئته بالأغطية الكثيفة، أو بتقريبه من موقد
النار وإعطائه شراباً ساخناً، ويقول أطباء اليوم أنَ سبب هذا المرض كان على الأغلب
يعود إلى عدة أمور كشرب المريض لماء عكر وغير صحي، أو نتيجة تعرضه للبرد الشديد،
أو قد يكون لسعه بعوض المستنقعات، قد أو نتيجةً لارتفاع سكر الدم، الذي لم يكن
معروفاً آنذاك،
ودواء هذه
الرجفة كان ينحصر في تدفئة المريض كما باللحاف، وإعطائه شراباً ساخناً من مسحوق
الحشائش البرية، كي يعرق جسده كثيراً وتخرج منه السموم، كما يقول الأطباء الشعبيون
اللدغ
وهو
ليس بالمرض، إنما هي إصابة كان الأقدمون يجيدون التعامل معها حفاظاً على حياتهم ، و
الناس كانوا حذرين جداً من هذه الأفاعي، وإن حدث أن لُدغ أحدهم من أفعى أو عقرب،
كانوا يبادرون إن كان الملدوغ بالغاً، بربطه فوق مكان "اللدغة" بقليل،
لمنع تسرب السم إلى بقية الجسد، ويقوم أهل الملدوغ بإحداث جرح سطحي فوق مكان
"اللدغة"، ثم يأخذونه إلى أحد الشيوخ من أصحاب الكرامات، كي يمتص السم
بفمه، بعد أن يكون قد وضع في فمه جرعة من حليب الشاة، اعتقاداً من هذا الشيخ أنّ
الحليب يغلف السم، ولا يدعه يختلط مع دمه، إن كان في فمه جرح على سبيل المثال،
وبعد ذلك تقوم والدة أو زوجة الملدوغ، بسحق حبات من الثوم مع الملح، ويضمدون بها
مكان اللدغة والجرح المحدث، ويعللون ذلك بأن الثوم يمنع السم من الحركة والنفاذ
إلى بقية أجزاء الجسم، علماً أنّ هذا الضماد يترك أثراً على شكل حفرة مكان اللدغة
والبعض
من الناس كانوا يلفون المكان الملدوغ في كرش غنم مذبوح حديثاً، ويعللون ذلك أنه
طالما أن الكرش ساخنة، فإنها تمتص السم من جسد الملدوغ، ودليلهم على ذلك أن لونها
يتغير ليصبح أزرقاً، وينصح بطمرها في التراب بعد ذلك، ومن الأمراض الشهيرة الأخرى
بذاك الزمان نذكر
اللقوة
وهو مرض شلل نصفي
للوجه، وثقل في حركة العينين، وبطئ في حركة اللسان، واعوجاج في الفم، مما يؤثر
كثيراً على النطق ويعالج بعزل المريض في غرفة مظلمة ومنعه من الكلام، وتمرير
الضمادات الساخنة فوق المنطقة المصابة من وجهه، وتجنيبه البرد، وكانت الغالبية
منهم تأخذ هذا المريض إلى الشيوخ والسحرة، بقصد وضع تميمة له، أو كان الأمر يأخذ
منحىً محرجاً، إذ يقدم بعض الدجالين على ضرب المريض في وجهه بحذاء قديم، وكان
المريض نتيجة للجهل السائد بهذا المرض في ذلك الزمان، نادراً ما يشفى
الحصبة
كانت غالباً ما تصيب
الأطفال، والبدو وجميع سكان البادية، يسمونه بـالمرض الزائر، وعلاجه نفس علاج مرض الجدري، حيث يسقى المريض الماء
الساخن مع الأعشاب، وينام في غرفة دافئة، ولا يتعرض للهواء
ألم الدم
وهو مرض يصيب الرقبة والرأس، ويشترك مع مرض
اللقوة في ثقل حركة العينين، وصعوبة النطق في الكلام، ويعلل المداوون لهذا المرض
سبب الألم الشديد عند المصابين به، بوجود دم فاسد في أجسادهم، لذلك يلجؤون إلى
عملية الفصد والحجامة، وهم بارعون في ذلك، والفصد يكون على ثلاثة أنواع، أولها
إدخال إبرة أو قطعة معدنية مشابهة إلى أنف المريض، ويعمل على خرز غضاريف الأنف
الداخلية، لتسيل الدماء مباشرة بغزارة وكأنها الرعاف الذي يحدث عادة للناس،
وثانيها تثبيت قطعة معدنية أحد طرفيها حاد جداً، على عرق من عروق جبين المريض،
ونقره بقوة بواسطة الإصبع الوسطى لليد، حيث تنزف الدماء بغزارة، ويبقي الدم ينزف
حتى يتغير لونه، وثالثها الحجامة، حيث يقوم المداوي بحلق الجزء السفلي من شعر الرأس
الخلفي، ثم يقوم بفصد الجلد الذي يغطي العظمين الواقعين خلف الأذنين، بواسطة آلة
حادة ودقيقة، حيث يستطيع جذب الدم بواسطة كؤوس الحجامة
الدمامل
كان
الناس يعتقدون أنّ هذه الدمامل تسحب الأمراض الموجودة في الجسم، وتحولها إلى قيح
وصديد وتطرحها خارجاً، وكانت تلك الدمامل عند بعض المرضى ذات حجم كبير، وبعضها ذات
حجم صغير، وهي مؤلمة أثناء النوم ليلاً، واستعمل المداوون القدامى لمداواتها بعضاً
من أوراق "الشيح" و"الدعجة"، بحيث تغلى بالماء ويضاف إليها
قليل من السمن العربي، وتوضع في ضمادة من القماش فوق الدمامل لفترة من الزمن،
لتنفجر الدمامل بعد ذلك، فيخرج ما بداخلها من قيح، وتُزال الضمادة ويُدهن موضع
الدمامل بالزيت وبمادة "الصبر"، للتطهير حتى تجف ويصبح الجلد طبيعياً
الحمى
فإنها
كانت منتشرةً بكثرة ، وحصدت الحمى بذاك الزمان، الكثير من أرواح القرويين في أرياف
المنطقة الشرقية، وفي عهد الانتداب الفرنسي تحسن الوضع الصحي، وكوفح هذا المرض
مكافحة شديدة بعد الاستقلال، وبعد ستينيات القرن الماضي شخّص الأطباء هذا المرض
فعرف بـ(حمى التيفوس)، أو "التيفوئيد"، وكان الناس في الأرياف يعزلون
المريض المصاب بتلك الحمى خوفاً من انتشار العدوى، وقد عرفوا ذلك من التجربة التي
مرّ بها الآباء والأجداد، كما أنهم كانوا يضعون في طعام المريض مسحوقاً لبعض
النباتات البرية، أما مسحوق (حبة الحلبة) فكانوا يضعونها في شراب المريض، اعتقاداً
منهم أنها تخّفض درجة حرارته
العوّاية
السعال الشديد المتواصل والبرد كان هو السبب
المباشر لهذا المرض، إذ تصاب القصبات الهوائية للإنسان بالالتهاب، فيسعل الإنسان
سعالاً قوياً يشبه صوت العواء، ومن هنا جاءت تسميته الشعبية بـ
"العواية"، وعلاجها "، الشراب الساخن من النباتات البرية المختلفة
مثل شراب البصل المغلي بالماء، وشراب نبات
الزعتر البري
هذه
الأمراض وبعد التقدم الهائل في العلوم الطبية، أصبحت تدرس في كليات الطب البشري في
القطر كأمراض مرت بتاريخ البشرية، ومن